السبت، 24 يوليو 2010

شعراء هجر

اسعد الله اوقاتكم بكل خير
انتهيت قبل يومين من قراءة كتاب " شعراء هجر من القرن الثاني عشر الى القرن الرابع عشر "
لمؤلفه : عبدالفتاح محمد الحلو ، و المقصود بهجر هنا هي مدينة الاحساء و الحديث يدور حول شعرائها
و يشير المؤلف الى سبب تأليف هذا الكتاب بأنه بعد ان نزل الاحساء - و كان مدرسا للقسم الأدبي بالمعهد العلمي -
و التقى بعلمائها و فضلائها طرقت سمعه ابيات كثيرة لم يسمع بها من قبل و بدأ يستفسر عنها فعلم أنها لشعراء مضوا
و خلفوا نتاجا شعريا يعتز به أهل بلادهم و كانت هذه الاشعار تتزين بها محافلهم ، و لما سأل عن هذا التراث علم أنه
لم يجمع و إنما كان يحفظ قليله في الصدور و كثير منه تحويه اوراق قديمة عند المعنيين بحفظ الشعر و أن أكثر هذا
الكثيرقد ضاع ، فاستعان بالله للقيام بجمع هذا التراث و قد صاحبه محمد بن الشيخ عبدالله آل مبارك ليعرفه بالمشايخ
و العلماء الذين أمدوه بمخطوطاتهم و نقل من صدورهم هذا التراث، كما أعانه نخبة من طلاب العلم في النقل من
المخطوطات فجاء الكتاب مترجما لأربعة عشر شاعرا
اطلعت على الكتاب و كان اهتمامي منصبا على الشعر المذكورفيه و عليه ستكون ملحوظاتي مقتصرة :
1- لما كان المؤلف قد آثر أن لا ينشر من شعر الشيخ عبدالله البيتوشي الا ما كان من مساجلات بينه و بين الشيخ أحمد
آل عبدالقادر لأن الشيخ محمد الخال قد تكفل في كتابه " البيتوشي " بنشر بقية انتاجه الشعري الا أن هذا القليل الذي نشره
المؤلف ينبئ عن شاعر فحل متمكن من ناصية الشعر،ففي القصيدة التي ارسلها الشيح احمد الى البيتوشي التي مطلعها :
ساجع الورق على الأغصان غنى ... أطرب الخالي و اجتاح المعنى
رد عليه البيتوشي بقصيدة مطلعها :
هاجه الوجد الى وجد فأنا ... و تمنى الابرق الفرد و أنى
ثم يقول مادحا :
جاءنا من غرر النظم لكم ... ما يحاكي روضة بالمزن غنا
رمل الأبحر لكن دره ... عدد الرمل فرادى و مثنى
فتباشير التهاني أقبلت ... بعد طول اليأس من هنا و هنا
هالنا هيلكم تلك المعا ... ني علينا فاقنعوا بالوزن منا

الى أن قال :
هجر من هجركم هاجرة ... ما ترى فيها لجنب مطمئنا
فكأنا ما وردنا معكم ... عد لهو و كأنا ما عطنا
و كأنا ما رأينا ذلك الـ ... أنس يوما و كأنا و كأنا
فما أبدع بيته الأخير
ثم تتبين لنا دقة البيتوشي الذي جعل عجز بيته الأخير هو نفسه صدر البيت الأول ، مجاريا بذلك الشيخ احمد الذي انتهج هذاالنهج في قصيدته
2- أكثر ما لفت نظري و مالت نفسي اليه هو شعر عبدالعزيز بن عبداللطيف ال مبارك فسبكه رصين و لغته شعرية
أدبية تختلف عن بقية الشعراء المذكورين في الكتاب الذين يغلب على شعرهم طابع الفقه او العلم ، فشعره أكثره رائق
و سأورد بعضا من شعره للدلالة على ما ذهبت اليه :
- تأخر أخوه مبارك و ابن عمه عبدالله بن الشيخ عبداللطيف ال مبارك عن حضور درسه و لما سأل عنهما قيل له إن
عبدالله مشغول بجذاذ النخل في قرية الشقيق و أخاه مبارك هناك ايضا لأنه حديث عهد بزواج فقال :
يا رب لا كان الشقيق فأنه ... قد صد أرباب العلا عن نيله
فتفرقت فيه تلامذتي فذا ... في صرمه لاه و ذا في وصله
و قال على لسان عمه في جناب الشيخ محمد بن عيسى ال خليفة :
الا نوم يعار فلا كرى لي ... لعلي أن أرى طيف الخيال
الى ان قال :
تنشقت النسيم فما شفاني ... و هل يشفي عليلا ذو اعتلال
فلولا نور نار الشوق حولي ... خفيت على العيون من انـتحالي
و تنعت لي الأطبا حب مسك ... لقد صدقوا و لكن حب خال
بروحي اهيف الأعطاف أحوى ... مليح الدل مقبول الدلال
عجبت لقده قد جار عمدا ... علينا و هو يوصف باعتدال
الا يا لائمي في الحب دعني .. فليس عليك رشدي او ضلالي
تكلفني السلو و ليت شعري ... متى سمحت طباع بانـتقال
أ أكتم حبهم و دموع عيني ... على الوجنات تحكي شرح حالي
و زار الشيخ محمد ال عبدالقادر فعلم أنه قد ذهب لزيارة بعض مشايخه في محلة العيوني فكتب له :
وميض البرق من غرب العيوني ... افاض الدمع من غرب العيون
و نوح الورق أورى نار وجدي ... و أذكى لوعة القلب الحزين
عجبت لها تنوح و عن شمال ... تخاطب إلفها و عن اليمين
الى ان قال :
ملكتم سادتي رقي فماذا ... عليكم بعد لو كاتبتموني
اكاتبكم و أنتم في فؤادي ... و أطلبكم و انتم في العيوني
و له قصيدته السياسية الرنانة التي مطلعها :
هل من يجيب اذا دعوت الداعي ... و يعي الخطاب و أين مني الواعي
و أحسب أن كل بيت منها يبز نظيره حسنا و رونقا
و كذلك فإن له نثرا رائقا ، فقد كتب الى عمه الشيخ راشد بن عبداللطيف ال مبارك :
حضرة حديقة العلم الناضرة و حدقة الفضل الناظرة من حل في الصدور و حلى الصدور و لم يضق عليه الورود بعد
الصدور في جميع المقاصد سيدنا العم راشدابقاه الله لطالب يرشده و لبيت مجد يشيده .... الى آخر الرسالة
2- راق لي ايضا شعر عبدالله بن علي آل عبدالقادر و قد اعجبت بقوله مادحا :
و اذا مدحت وليدهم في مهده ... اعطى التمائم ضاحك الأسنان
فلله دره
و راق لي مدحه الساعة إذ يقول :
و ساكنة في بيوت الزجاج ... ممنعة بمنيع الحجاب
و ما سمعت قط من عالم ... و لا نظرت في ضروب الحساب
تسير و لكن على اثرها ... كما سار في التيه أهل الكتاب
و بين يديها مثال العصا ... اذا قرعت لحليم أناب
و لم تر عيني سواها فصيحا ... يدير لسانين عند الخطاب
عجبت لها و هي مع ما وصفت ... اذا اشتبه الوقت يوم السحاب
و صرنا من اللبس في حيرة ... و قد شك مجتهد و استراب
و طال الكلام و لج الخصام ... و خف الإمام من الاضطراب
الى علمها رجعوا في الهدى ... و من عندها رغبوا في الصواب
و قالوا : الجوابَ فمنت به ... فطابت نفوس و ذلت رقاب
سلام على منزل حازها ... لقد جانب الشك و الارتياب
و يقول و قد علم أن زوجته هي أخته من الرضاع :
الا ايها الباكي على إلفه لمه ... فكل هبات الدهر غير متممة
رضاع بأيام الفطام استفدته ... على فاقة من غير عار و مأثمة
فما أنت الا صائم في صيامه ... سقاه اله العالمين و أطعمه
و هذا هو الشعر الرصين
3- نظم الشيخ عبدالعزيز بن حمد آل مبارك قصيدة في مدح آل عبدالقادر و يخص منهم الشيخ علي و ابنه عبدالله
يقول في مطلعها:
ذكر الربع و أهليه فأنا ... و شجاه البارق الساري فحنا
الى ان قال في معرض الغزل:
أهيف الخصر ثقيل ردفه ... أتلع الجيد رقيق الأنف أقنى
حرمت نهداه و الردف على ... قمصه تمساسها ظهرا و بطنا
و اذا ما سعدنا ألفنا ... و اطرحناالعتب و الإعتاب عنا
و تجاذبنا حواشي سمر .. هل رأيت الروض و العود المرنا
أخذ الدلة من كانونها ... بشمال و أدار الكأس يمنى
و انبرى يسكب من ياقوتة ... في لجين الكأس ما نسميه بنا
كلما أنعم بالكأس ملا... مثلها من طرفه الساجي فثنى
و أنا أشرب بالكأسين و الثـ...ـالث الثغر فما أحلى و اهنا
و البيت الثاني مأخوذ من قول الشاعر :
أبت الروادف و الثديّ لقمصها ... مس البطون و أن تمس ظهورا
و ذكرني بيته الأخير بأبيات محمد سعيد الحبوبي ( و ما أروعها بصوت الجواهري - تجدها في http://www.jwahri.net/ - ) :
يا غزال الكرخ وا وجدي عليك .. كاد سري فيك أن ينهتكا
هذه الصهباء و الكأس لديك ... و غرامي في هواك احتنكا
فاسقني كأسا و خذ كأسا إليك ... فلذيذ العيش أن نشتركا
و اذا جدت بها من شفتيك ... فاسقنيها و خذ الأولى لكا
و يسترسل الشاعر عبدالعزيز حتى يبدأ بالمدح فيقول :
يا لها امنية لم تعدها ... منيتي الا الى أسنى و أسنى
نفحة قدسية تسعدني ... برضا الله الذي أغنى و أقنى
و ترقي رتبة في العلم من ... دونها المريخ بالأعمال تسنى
و سمو في العلا تصحبه ... قدرة بالمال و الحال لأهنا
و لقا الاصحاب من كل فتى ... حسن الأخلاق بالفضل معنى
الى ان قال :
حسبهم فخرا علي و ابنه ... فلقد فاقا على الاقصى و الادنى
انني صب بهم لا ارتضي ... بدلا منهم و من أين و أنــّـى
و هذا هو العذب الزلال
4- التمس الشيخ عبدالعزيز العلجي منزلا بجوار شيخه الشيخ ابراهيم آل مبارك فلم يجد فكتب الى شيخه ابياتا منها :
فيا سيدي إن فات حظي موضع ... بقربك فاجعل لي بقلبك موضعا
فلما بلغت الابيات الشيخ ابراهيم أمر بعض ابناء أخيه بالتحول عن منزلهم الذي بجواره إيثارا للشيخ عبدالعزيز العلجي
و تكرمة له فسكن بها الى ان توفي

الاثنين، 5 يوليو 2010

ديوان محمد بن عثيمين

اسعد الله مساءكم بكل خير
انتهيت اليوم من قراءة ديوان محمد بن عثيمين - جمع و شرح و تحقيق سعد بن عبدالعزيز بن رويشد
و كنت قد انصرفت منذ فترة عن قراءة الشعر الى قراءة الروايات و السير الذاتية
غير ان " التخلق يأتي دونه الخلق " فقد عطفتني العاطفة الى الشعر فوقفت بين الدواوين و وقع الاختيار على ديوان ابن عثيمين حيث أردت أن اطلع على شعر قريب من عصرنا خاصة ان ابن عثيمين ليس ممن يتداول شعره كثيرا
فقرأت معظم الديوان الذي كان يغلب عليه طابع المدح حيث مدح الملك عبدالعزيز و ابنه سعود كما مدح الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة و مدح الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني كما كان للمراثي نصيب من الديوان و بعض المتفرقات
و لعل الناظر الى شعر ابن عثيمين يجد فيه صبغة الأولين من حيث مطالعه و اسلوبه
و لما كان الذوق هو الحكم فإن ذوقي لم يمل الى شعره حيث لم يلفت نظري الا ابيات من قصيدة هي :
ربع تأبد من شبه المها العين ... وقفت دمعي على أطلاله الجون
إن الذين برغمي عنه قد رحلوا ... حفظت عهدهم لكن أضاعوني
ناديتهم و النوى بي عنهم قذف ... نداء ملتهب الأحشاء محزون
يا غائبين و في قلبي تصورهم ... و نازحين و ذكراهم تناجيني
ما لي و للبرق يشجيني تألقه ... و للصبا بشذاكم لا تداويني
ليت الرياح التي تدري مسخرة ... تنبيكم ما ألاقيه و تنبيني
وجد مقيم و صبر ظاعن و هوى ... مشتت و حبيب لا يواتيني
من لي بعهد وصال كنت أحسبه ... لا ينقضي و شباب كان يصبيني
لم يبق من حسنه الا تذكره ... أو الأمانيّ تدنيه و تقصيني
تلك الليالي التي أعددت من عمري ... أيام روض الصبا غض الرياحين
أيام أسقى بكاسات السرور على ... رغم الوشاة بحظ غير مغبون
كما أثارت انـتباهي طريقة اتبعها الشاعر لم نألفها في الشعر الفصيح من قبل و هي أن يختم قصيدته بالصلاة و السلام على النبي صلى الله عليه و سلم و على آله و صحبه و هي عادة أحسبها مألوفة في الشعر النبطي
و هي لئن لم تعرف في الشعر الفصيح فهي عادة حسنة
و اثناء مطالعتي الديوان كانت لي بعض الملحوظات و هي :
1
- قال في إحدى قصائده التي يمدح بها الملك عبدالعزيز رحمه الله :
لكنه الأسد الضرغام إن ضبثت ... كفاه بالضد أضحى الليث كالنقد
و المعنى المفهوم بغير شك أن الملك ان قبضت كفاه على أسد يغدو الأسد كالنقد - صغار الغنم - لكنه ذكر الاسد صفة للملك ثم عاد و قال " أضحى الليث كالنقد " فلعل قائلا يقول أضحى الملك كالنقد لأنه الموصوف بالأسد
فليت الشاعر و هو القادر على تصريف الكلمة تجاوز بقدرته هذا التركيب اللفظي حتى لا يكون موضع نقد
2- قال في إحدى قصائده :
عشية لو ابصرتما يوم حاجر ... مقامي و كفي فوق قلبي أبادله
عشية لا صبري يثيب و لا الهوى ... قريب و لا دمعي تفيض جداوله
و أظن خطأ طباعيا وقع في كلمة "تفيض" و الصحيح هو " تغيض " أي قل لأنه هنا في معرض ذكر الشوق فهو يقول إن صبره لا يرجع اليه و هواه ليس قريبا - و يعني حبيبه - فبالتالي دمعه لا يزال سيالا و هو ما يناسب " لا تغيض جداوله " حيث وصف الدمع بأنه لا يفيض غير مناسب للموضع المذكور

3- يقول واصفا ناقة :
اذا ما احست نبأة من محدث ... تقول أعارتها الجناح النعائم
و لا أعلم سببا لاعارة الجناح الا الطيران و هو أمر غير متوافر في النعام لأنها لا تطير
4- و قال يمدح الملك سعود رحمه الله :
جرى معه قوم يرومون شأوه ... فضلوا حيارى في المهامه ضلعا
و أحسب خطأ طباعيا وقع في كلمة " ضلعا " و االصحيح " ظلعا "فالضليع هو الشديد القوي بينما الظالع هو الأعرج فيقال في المثل " لن يدرك الظالع شأو الضليع " و لما كان البيت في معرض ذكر تقصير القوم عن شأو الممدوح فالأنسب أن يكونا " ظلعا "