الجمعة، 17 سبتمبر 2010

نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب (1)

أسعد الله أوقاتكم بكل خير :
اتجهت نيتي لقراءة كتاب " نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب " و ذلك بعد أن كنت أتلقف بعض الأخبار من جدي رحمه الله فأعجب بها و أسأل عنها فيقول من كتاب نفح الطيب فلما نظرت إلى الكتاب هربت منه إذ ما كان لي طاقة بقراءة ثمانية أجزاء لكتاب و كل جزء منها يحوي ما يقارب 690 صفحة إلا أنني مللت من هذا البعد عنه فقررت أن أتناوله دون أن ألتزم بقراءته كله و إنما أقتصر على ما فيه من أشعار و أخبار متصلة بها فكان ذلك و اليوم قد انتهيت من الجزء الأول فأحببت أن أورد ما التقطته منه :

- قال الشاعر :
لا عار إن عطلت يداي من الغنى ... كم سابق في الخيل غير محجل
صان اللئيم ، و صنت وجهي ، مالـَـه ... دوني ، فلم يبذل و لم أتبذل
أبكي لهم ضافني متأوبا ... إن الدموع قرى الهموم النزل
لا تنكروا شيبا ألم بمفرقي ... عجلا كأن سناه سلة منصل
فلقد دُفعت الى الهموم تنوبني ... منها ثلاث جُمّعن لي
أسف على ماضي الزمان ، و حيرة ... في الحال منه ، و وحشة المستقبل
ما إن وصلت إلى زمان آخر ... إلا بكيت على الزمان الأول
لله عهد بالحمى لم أنسه ... أيام أعصي في الصبابة عذلي
- و قال الصفدي :
أقول و حر الرمل قد زاد وقده ... و ما لي إلى شم النسيم سبيل
أظن نسيم الجو قد مات و انقضى ... فعهدي به في الشام و هو عليل
- و قال آخر :
حديثه أو حديث عنه يطربني ... هذا إذا غاب أو هذا إذا حضرا
كلاهما حسن عندي أسر به ... لكن أحلاهما ما وافق النظرا

- قرأت قول عبدالرحمن بن الحكم :
و الشيخ إن يحو النهى بتجارب ... فشباب رأي القوم عند شبابها
فتذكرت قول معروف الرصافي :
إن التجارب للشيوخ و إنما ... أمل البلاد يكون في شبانها
و بين أن الرصافي اقتبس بيته من بيت ابن الحكم - إن كان اطلع عليه - فأخذ معناه و صاغه صياغة أبهى و أسهل
- و من غريب ما يحكى عن أمير المؤمنين الناصر المذكور أنّه أراد الفصد، فقعد بالبهو في المجلس الكبير المشرف
بأعلى مدينته بالزهراء، واستدعى الطبيب لذلك، وأخذ الطبيب الآلة وجسّ يد الناصر، فبينما هو إذ أطل زرزور فصعد
على إناء ذهب بالمجلس، وأنشد:
أيّها الفاصد رفقاً بأمير المؤمنينا
إنّما تفصد عرقاً فيه محيا العالمينا
وجعل يكرّر ذلك المرّة بعد المرة، فاستظرف أمير المؤمنين الناصر ذلك غاية الاستظراف،وسرّ به غاية السرور، وسأل
عمن اهتدى إلى ذلك وعلم الزرزور، فذكر له أن السيدة الكبرى مرجانة أم ولده وليّ عهده الحكم المستنصر بالله صنعت
ذلك، وأعدّته لذلك الأمر،فوهب لها ما ينيف على ثلاثين ألف دينار.
-وحكي أنه وجد بخط الناصر :
أيام السرور التي صفت له دون تكدير يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا ويوم كذا من كذا، وعدّت تلك الأيام فكانت أربعة
عشريوماً، فاعجب أيها العاقل لهذه الدنيا وعدم صفائها، وبخلها بكمال الأحوال لأوليائها، هذاالخليفة الناصر حلف
السعود، المضروب به المثل في الارتقاء في الدينا والصعود، ملكها خمسين سنة وستة - أو سبعة - أشهر وثلاثة أيّام،
ولم تصف له إلا أربعة عشر يوماً

- و من عجيب التشبيهات قول ابن صارة الأندلسي - و يكتب أيضا بالسين ابن سارة - يصف ماء بالرقة و الصفاء :
و النهر قد رقت غلالة خصره ... و عليه من صبغ الأصيل طراز
تترقرق الأمواج فيه كأنها ... عكن الخصور تهزها الأعجاز
- وصف أعرابي محلة قوم ارتحلوا عنها فقال :ارتحلت عنها ربات الخدور و أقامت بها أثافي القدور و لقد كان أهلها
يعفون آثار الرياح فعفت الرياح آثارهم و ذهبت بأبدانهم و أبقت أخبارهم و العهد قريب و اللقاء بعيد
- قال أبو صخر القرطبي :
ديار عليها من بشاشة أهلها ... بقايا تسر النفس أنسا و منظرا
ربوع كساها المزن من خلع الحيا ... برودا و حلاها من النَّور جوهرا
تسرك طورا ثم تشجيك تارة ... فترتاح تأنيسا و تشجى تذكرا