الأحد، 23 أكتوبر 2011

نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب (5)

أسعد الله أوقاتكم بكل خير

انتهيت من قراءة الجزء الخامس من كتاب نفح الطيب و قد وقفت فيه على مواضع قليلة و هي :

1- قال لسان الدين بن الخطيب :
إن بان منزله و شطت داره ... قامت مقام عيانه أخباره
قسِّمْ زمانك عَبرة أو عِبرة ... هذي ثراه و هذه آثاره

2- و قال أيضا :
أقمنا برهة ثم ارتحلنا ... كذاك الدهر حال بعد حال
و كل بداية فإلى انتهاء ... و كل إقامة فإلى ارتحال
و من سام الزمان دوام حال ... فقد وقف الرجاء على المحال

3- قال أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عنان فارس أن جده أمير المسلمين أبا سعيد سأل كاتبه عبدالمهيمن الحضرمي عن تهادي أهل الحُب التفاح دون الخوخ و كلاهما حسن المنظر طيب المخبر شديد شبيه بأخيه سديد تشبيه الوجنات به لمتوخيه ، فقال : ما عند مولانا؟
فقال : أرى ذلك لاشتمال التفاح على الحَب الذي يُذكر بالحُب و الهوى ، و الخوخ على النوى الذي يذكر اسمه صفرة الجوى .

أقول : لو أني – على كبر حجم الجزء – لم أظفر بغير هذه الحادثة لاكتفيت و رأيت أني غير مغبون

4- أطل السلطان أبو عنان من برج يشاهد الحرب بين الثور و الأسد على ما جرت به عادة الملوك ، فقال ابن جزي في وصف الحال:
لله يوم بدار الملك مر به ... من العجائب ما لم يجر في خلدي
لاح الخليفة في برج العلا قمرا ... يشاهد الحرب بين الثور و الأسد

5- و قال ابن جزي :
من أي أشجاني التي جنت النوى ... أشكو العذاب و هن في تنويع
من وصلي الموقوف أو من هجري الـ .. ـموصول أو من نومي المقطوع
أو من حديث تولهي و تولعي ... خبرا صحيحا ليس بالموضوع
يرويه خدي مسندا عن أدمعي ... عن مقلتي عن قلبي المفجوع

الأحد، 18 سبتمبر 2011

حسن حسني باشا الطويراني









صدرت لأخي العزيز و صديق العمر فهد محمد نايف الدبوس عدة مؤلفات
كنت قد تحدثت عن أحدها من قبل ( وعاء الحكم )


http://bo-abdulaziz.maktoobblog.com/880896/وعاء-الحكم/


و اليوم سأورد شيئا من كتابه


" حسن حسني باشا الطويراني , أديب موسوعي من القرن التاسع عشر "

يقع الكتاب في مئة صفحة
يتطرق فيه الباحث عن حياة الأديب حسن الطويراني فيبدأ بالتعريف بالأديب على طريقة أولين من حيث ذكر الاسم كاملا و تاريخ الميلاد والوفاة ثم لا يفوته ذكر الصفة الخلــْقية له
بعدها يتطرق الى المناصب التي تسنمها ثم يعرج على ذكر عائلته و معارفه و أصدقائه

ثم يستطرد بذكر مؤلفاته و يورد شيئا من شعره و نثره و لقد راق لي شيء من شعره

المذكور و هو قوله :
شجونــي فــيــك بادية الأوار
و حالي ظاهر مهمــا أواري
و سلطان الهوى ولاك أمري
فأمرك مثل دمعي فيّ جاري


و لقد أبدع بقوله :

قد حبب الموت لي عيشي لغصته
حبا لخلـوة قبري لو صفا عملي
فإن تجد خاليا يلـهــيــك مــنــظره
كذ ِّبْ ظنونك ما بين الأنام خلي


و أجاد بقوله :

لا تــقـل إنـي صديق
أو فلان لي صـديــق
إنــمـا أنـــت و هــذا
كرفيق فــي طريـــق
فاجـتـماع في اتساع
و افتراق وقت ضيق


و يضيف المؤلِّف عند حديثه عن رسالة للأديب الطويراني بعنوان
" النشر الزهري في رسائل النسر الدهري "
إنها رسالة قريبة من نمط المقامات و هي أخلاقية في قالب الخيال صاحبها يركب آلة الزمن و قد طبعت سنة 1888 ، فيُعتقد أنه سبق الأديب الانكليزي ج। ويلز و الفرنسي جول فيرن في باب الخيال العلمي

الجمعة، 15 يوليو 2011

إلى رابطة الأدباء بعد التحية

أسعد الله أوقاتكم بكل خير

بدأت علاقتي بالحضور الى منتدى المبدعين في رابطة الأدباء منذ سنة تقريبا ، و قد أحببت الطريقة التي يتداولون
فيها النص و التعليق عليه ، و أعجبت بروح الأخوة التي تسود بينهم ،إلا أن هذا و ذاك على حسنه لا ينفع طالب
العلم و المنتمي الى سلك الأدب شيئا ، فتقويم النصوص تقتله المجاملة و تحييه الصراحة و إن كانت ثقيلة

لهذا نظمت هذه الأبيات تعبيرا مني عما جاش في خاطري :

خـُذ شرح حالي عن دموعي الصيــِّــبــــة
إن أعــجــمــت كـُـتـُـبــي فـَهـــذي معربة

و انظر شواهـــد مــغرم أخذ الــهــــــوى
بـِـزمامــِـه و ألانَ مــنـــه مــُــصْــــعـَـبه




و متيم ٍ قــَــلِـــــــق الحــشـــــى و دوامه


في حـُسـْـن مُـتـْــعَـــبــَــــة النواظر أتعبه

مُــتـَـألــف فيها النــقــيـــض فـَـطـَـلـْـعَــة
ٌ مَــلـُــحَـــت و نـَـــبْــرة صوتها مــستعذبة

قد رَقّ في وجــَــنـــــاتها ماء الصــبــــا
و لها بــِغـُـصـن البان إن خـَـطـَرَتْ شَـبه

و محاسن خـَـفِــيَــت و خاطر ذي الهوى
كــشـــف الخـــفـــــيّ لـنـفـسه المتوثـبــة

يا ليلة سَمَحَ الحــبــيـــب لــعــــاشـــــــق
لِــيَــنــال بُـغـْـيَـتــــَـــــه و يُــنــجح مطلبه

ما كان من واش سوى الخـــفــّــــاق فـي
نبضاته والــجــيــد و هــــــي مـُـطـَـيَّــبــة (1)

و لطالــمــا غــلــب الحيا فـَكــِلاهــُـــما
فــي الحب غـِــــرٌّ لم يــكـــن ذا تــجـربة

و تعاهدا ، فـَـوَفى لـمــن قـــــد راقــــها
معْ غـــيــــره دورُ الــحــبــيــب لـتــلعبه


و مضى الصبا و لقد بُــلِــيـتُ بـِحال ِ من
فــيــهــم ظـــنـــونـــي لا تــــزال مخيــبـة

بأفاضل لو أحســنـــــوا رَعـْـــيَ الـــذي
حــمــلوا لـَــنـــالــُــوا فــيــه أرفــع مـرتبة

ما كـــــــان للأدبــــاء رابــطـــة ســـوى
من أجـــل ضـَــمّ شـتــاتـــــنــا المــتــشـعـبة

فـَعَـلامَ يــقــصـــر ســعــيـــها عن جذبنا
و إلامَ عــنــا لا تــــزال مـُـــحـَــجـَّــــبـــــة

أوَ لستَ تـنـظــر للـثــقــافــة بــعــدمــــا
هـــُــز ِلـــت و قـــد أضحـــت بحال مــتعبة

كم تــشــتـــكــي الأبصارُ فــيــها مــنظرا
دُورًا مــعــــطـــلـــة و تــَصْـــفــَـــرُ مـكتبة

أسفــًا لقد عجزت و كــنـــت أظـــــــنــها
كالأمــــس للأدبـــاء أمـًّــــا مـُـنـْــجـِــــبــــة


و أخ ٍ أطـَـلَّ بـِـنـَـــصِّـــــهِ مُــتــَـمَــنـِّـيًــا
أن يــســتــقــيــــم بـــنـــقـــدكـــم و يــهــذبه

فأتاه "درويش" بـِـمِعـْــــوَل ِ هــَــــدْمـــِـه
منكم و " دنــقــل " فــيــه أنــشب مــخــلبه

من مــعــشــــر لم تــتــخـــذ رمــــزيـــة
إلا لـِـسـِــتـْــر جــهــالــــة مــتــرســـبـــــة

و هل القــصــيـــدة غير أفــكـــار أتــــت
مــفــهومـــة وفـــــق الــنــظـــام مـُــرتــَّــبـة

فــعــلام نــجــعــلــها رموزا أعـيت الــــ
ـأفــهــام عــــن إدراكـــهـــا مـــســتــصـعبة

يا خــيــبــة الآمال فــــــي النــشء الـــذي
تــَـبـِــعَ الــتــحــرر و هـــو يــجــهــل مذهبه

من أين تــَـسْــتــَـــسْـقي الظـِّــــماءُ و أنــتم
-عــفــوًا - علــى أرض خـــواء مــجـــدبة


يا منــتــدى الإبداع نــَـفـْـثــَـــــــة َ وامــِــق ٍ
كـَـــره الحــقــيــقــة أن تـــكـــون مــغــيّــبة

مُــتـَــقــَـلـِّــب بــمــزاجه فــتـــقـــبــــلـــوا
مـــن شــاعــر قـــلـــق الــمـزاج تـَـقــَلـُّــبــه

لا تــُـخـْـدَعــَـــنَّ بــِـــمــَـــن يكيل مديـــحه
في الــنــص يـــُـــظـْـــهـِـــر أنه قد أعــجــبه

يـُـبْــدي الردود مُعــادة كــــــم ســـــاقــَــها
لـــِـسـِـــواكـُـم لا تـُـسْــتــســـاغ مـُـعـَــلـَّــبــة

و لو انه مـُـــغـْــــرى بــــه لـــرأيـــتــــــه
عَــــجْــلانَ لــــم يـُـمْــهـِـلـْـكَ حــتـى يكــتــبه
-----

1- بحثت عن الجيد فلم أجدها مؤنثة ، و كنت كتبت [ اللـِّـيت ] بدلا منها و تعني صفحة العنق
و هي تؤدي نفس المعنى الا انني ابقيت الجيد حتى يصل المعنى الى القارئ سريعا إذ خشيت
أن يعمى معناها على القارئ لأول وهلة و لم أشأ قطع النص عليه ليبحث عن معناها ، فعذرًا

السبت، 30 أبريل 2011

نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب (4)

اسعد الله أوقاتكم بكل خير
انتهيت قبل أيام من الجزء الرابع لكتاب نفح الطيب و سأورد هنا ما راق لي منه :

قال ابن شرف أبو الفضل بن عبدالله :
لم يبق للجور في أيامكم أثر ... إلا الذي في عيون الغيد من حور

و قال أبو علي ادريس بن اليماني العبدري :
ثقلت زجاجات أتتنا فرّغا ... حتى إذا ملئت بصرف الراح
خفت فكادت أن تطير بما حوت ... و كذا الجسوم تخف بالأرواح

و رأى ابن اللبانة أحد ابناء المعتمد و هو غلام وسيم و قد اتخذ الصياغة صناعة و كان يلقب أيام سلطانهم من الألقاب السلطانية بفخر الدولة فنظر إليه و هو ينفخ الفحم بفصبة الصائغ و قد جلس في السوق يتعلم الصياغة ، فقال :
شكاتنا لك يا فخر العلا عظمت ... و الرزء يعظم ممن قدره عظما
طــُوِّقت من نائبات الدهر مخنقة ... ضاقت عليك و كم طوقتنا نعما
و عاد طوقك في دكان قارعة ... من بعدما كان في قصر حكى إرما
صرفت في آلة الصواغ أنملة ... لم تدر الا الندى و السيف و القلما
بد عهدتك للتقبيل تبسطها ... فتستقل الثريا أن تكون فما
يا صائغا كانت الدنيا تصاغ له ... حليا و كان عليه الحلي منتظما
وددت إذ نظرت عيني إليك به ... لو أن عيني تشكو قبل ذاك عمى
ما حطك الدهر لما حط من شرف ... و لا تحيف من أخلاقك الكرما
لح في العلا كوكبا إن لم تلح قمرا ... و قم بها ربوة إن لم تقم علما


قال ابن خفاجة :
تفاوت نجلا أبي جعفر ... فمن متعال و من منسفل
فهذا يمين بها أكله ... و هذا شمال بها يغتسل

خرج الأديب النحوي هذيل الإشبيلي يوما من مجلسه فنظر الى سائل عاري الجسم
و هو يرعد و يصيح : الجوع و البرد ، فأخذ بيده و نقله الى موضع بلغته الشمس و قال له : صح الجوع فقد كفاك الله مؤونة البرد

و قال صالح بن شريف الرندي في المقص :
و مجتمعين ما اتهما بعشق ... و إن وصفا بضم و اعتناق
لعمر أبيك ما اجتمعا لشيء ... سوى معنى القطيعة و الفراق

و عند ذكر ابن زيدون و ولادة قال المصنف :
و وفت بما وعدت و لما أرادت الانصراف ودعته بهذه الأبيات :
ودع الصبر محب ودعك .... إلى آخرها
و هذه الأبيات ليست لولادة و إنما لابن زيدون و ربما كان هناك غلط من الناسخ حيث ورد في كتاب " نزهة الجلساء في أخبار النساء " للسيوطي :
و وفت بما وعدت و لما أرادت الانصراف ودعها بهذه الأبيات

و قال أبو جعفر بن البني :
أقول و قد شممت الترب مسكا ... بنفحتها يمينا أو شمالا
نسيم جاء يبعث منك طيبا ... و يشكو من محبتك اعتلالا

و قال ابو بكر الداني في المعتمد و هو بأغمات :
تنشق بريحان السلام فإنما ... أفض به مسكا عليك مختما
و قل لي مجازا إن عدمت حقيقة ... لعلك في نعمى فقد كنت منعما
أفكر في عصر مضى بك مشرقا ... فيرجع ضوء الصبح عندي مظلما
لئن عظمت فيك الرزية إننا ... وجدناك منها في الرزية أعظما
قناة سعت للطعن حتى تقسمت ... و سيف أطال الضرب حتى تثلما
و منها :
بكى آلَ عباد و لا كمحمد ... و أولاده صوب الغمامة إذ همى
حبيب إلى قلبي حبيب لقوله ... "عسى طلل يدنو بهم و لعلما "
صباحهم كنا به نحمد السرى ... فلما عدمناهم سرينا على عمى
و كنا رعينا العز حول حماهم ... فقد أجدب المرعى و قد أقفر الحمى
قصور خلت من ساكنيها فما بها ... سوى الادم تمشي حول واقفة الدمى
تحيب بها الهام الصدى و لطالما ... أجاب القيان الطائر المترنما
كأن لم يكن فيها أنيس و لا التقى ... بها الوفد جمعا و الخميس عرمرما

و ذكر المصنف عند حديثه عن المعتمد :
قال غير واحد : من النادرالغريب أنه نودي في جنازته " الصلاة على الغريب " بعد عظم سلطانه و سعة أوطانه .

و أقول : و الغريب أن يبلغ هذا القول أحدا يعرف المعتمد و لا يرد على المنادي
بل و اذا قبلنا بهذا القول فكيف عرف قبره بعد ذلك و هو غريب
فلعل في هذه المقولة بعض المبالغة

مر المعتمد مع وزيره ابن عمار ببعض أرجاء اشبيلية فلقيتهما امرأة ذات حسن مفرط فكشفت وجهها و تكلمت بكلام لا يقتضيه الحياء وكان ذلك بموضع الجباسين الذين يصنعون به الجبس و الجيارين الصانعين للجير بإشبيلية فالتفت المعتمد الى موضع الجيارين و قال : يا ابن عمار الجيارين ، ففهم ابن عمار مراده و قال في الحال : يا مولاي و الجباسين
فلم يفهم الحاضرون المراد و تحيروا فسألوا ابن عمار فقال له المعتمد : لا تبعها منهم الا غالية ، و تفسيرها ان ابن عباد صحف " الحيا زين " بقوله الجيارين إشارة إلى أن تلك المرأة لو كان لها حياء لازدانت ، فقال له ابن عمار و الجباسين و تصحيفه " و الخنا شين " أي هي و أن كانت جميلة بديعة الحسن لكنت الخنا شانها ، و هذا شأو لا يلحق

قال ابن حمديس :
أراك ركبت في الأهوال بحرا ... عظيما ليس يؤمن من ركوبه
تسيّر فلكه شرقا و غربا ... و تفدع من صباه إلى جنوبه
و أصعب من ركوب البحر عندي ... أمور ألجأتك إلى ركوبه

و قال المصنف :
".... و بالهزمة التي تظهر في أذقان بعض الأحداث و تعتري بعضهم في الخدين عند الضحك ، فأماتي في الذقن فهي النونة .... و أما التي في الخدين فهي الفحصة"

أقول : و أحسب الفحصة هي ما تسمى بلهجتنا " الغـَمـّازة "

و قال الخفاجي ( ابن سنان الخفاجي ) :
و هاتفة في البان تملي غرامها ... علينا و تتلو من صبابتها صحفا
عجبت لها تشكو الفراق سفاهة ... و قد جاوبت من كل ناحية إلفا
و يشجي قلوب العاشقين أنينها ... و ما فهموا مما تغنت به حرفا
و لو صدقت فيما تقول من الأسى ... لما لبست طوقا و لا خضبت كفا

و قال عبدالحق الإشبيلي :
إن في الموت و المعاد لشغلا ... و ادكارا لذي النهى و بلاغا
فاغتنم خطتين قبل المنايا ... صحة الجسم يا أخي و الفراغا

و قال صالح بن شريف الرندي :
و لا تقصر في اغتنام المنى ... فما ليالي الأنس الا قصار
و إنما العيش لمن رامه ... نفس تدارى و كؤوس تدار

الخميس، 24 مارس 2011

الروض الباسم و العرف الناسم

اسعد الله مساءكم بكل خير
انتهيت قبل قليل من قراءة كتاب " الروض الباسم و العرف الناسم " لأبي الصفاء خليل بن أيبك الصفدي
تحقيق الدكتور محمد عبدالمجيد لاشين
يقع الكتاب مع المقدمة في مئتين و تسع و سبعين صفحة من دون الفهارس

و الكتاب بمجمله يورد أبياتا للأديب صلاح الدين الصفدي و هي بالأحرى مقطعات تناول فيها أغراضا عدة

و سأورد هنا ما أعجبني من الكتاب :
- حكي أن الأمير بدر الدين بيليك الخازندار أحضره الى القاهرة تاجر كان يحسن إليه و هو في رقه ، فلما باعه تنقلت به
الأيام الى ما صار إليه و افتقر التاجر فيما بعد ، فحضر إليه بالديار المصرية و كتب له رقعة فيها هذان البيتان :
كنا جميعين في بؤس نكابده ... و القلب و الطرف منا في أذى و قذى
و الآن أقبلت الدنيا عليك بما ... تهوى ، فلا تنسني " إن الكرام إذا "
و يشير الى قول أبي تمام :
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن
فأعطاه عشرة آلاف درهم ، قال الصفدي : و هذا عندي أشرف من التضمين الكامل و أطرب للفهم و أعذب للسمع

- و قال الصفدي و هو مضمن :
و لي صاحب لو شريت الودا ... د منه بروحي لن أغبنا
ترحلت عنه و عندي له ... من الشوق ما عنده لي أنا
أجهز غارات شوقي له ... فتلقى تشوقه قد دنا
و في كل وقت هما في وغى... فقد تعب الشوق ما بيننا

و لم يشر المحقق إلى مكان التضمين غير أني أحسبه عجز البيت الأخير فهو مأخوذ من قول ابن زهر الطبيب :
و لي واحد مثل فرخ القطاة ... صغير تخلفت قلبي لديه
و أفردت عنه فيا وحشتا ... لذاك الشخيص و ذاك الوجيه
تشوقتني و تشوقته ... فيبكي علي و أبكي عليه
و قد تعب الشوق ما بيننا ... فمنه إلي و مني إليه

و برأيي إن أبيات ابن زهر أرق و ألطف من أبيات الصفدي

- و قال الصفدي :
بدت ثريا قرطها ، و شعرها ... متصل بكعبها كما ترى
يا عجبا لشعرها لما ابتدى ... من الثريا و انتهى الى الثرى

- و قال الصفدي :
أقول و حر الرمل قد زاد وقده ... و ليس إلى شم النسيم سبيل
أظن نسيم الجو قد مات و انقضى... فعهدي به في الشام و هو عليل

- و كتب الصفدي من الأهرام الى بعض الأصحاب في القاهرة و فيه تورية :
رحلت و ذكركم في الحشا ... كجمر توقد حتى اضطرم
يصاحبني من زمان الصبى ... و ما زال حتى بلغت الهرم

- و كتب الصفدي لمن بعث إليه نسخة كتاب " الفلك الدائر على المثل السائر " :
فديت مولى خالني مقترا ... فعمني بالنائل الغامر
لم يرض بالأرض على قدره ... فجاد لي بالفلك الدائر
فراح مدحي في علا مجده ... مشتهرا كالمثل السائر

الأربعاء، 16 مارس 2011

نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب 3

أسعد الله أوقاتكم بكل خير
انهيت قبل أيام الجزء الثالث من كتاب نفح الطيب و أحببت أن أورد ما راق لي منه :
1- حكي أن صاعدا اللغوي قال : جمعت خرق الأكياس و الصرر التي قبضت فيها صلات المنصور بن أبي عامر فقطعت لكافور الأسود غلامي منها قميصا كالمرقعة و بكرت به معي الى قصر المنصور فاحتلت في تنشيطه حتى طابت نفسه فقلت : يا مولانا لعبدك حاجة ، فقال : اذكرها قلت : وصول غلامي كافور الى هنا ، فقال : و على هذه الحال ؟ فقلت : لا أقنع بسواه الا بحضوره بين يديك فقال : أدخلوه ، فمضل قائما بين يديه في مرقعته و هو كالنخلة اشراقا ، فقال : قد حضر و إنه لباذ الهئية ، فمالك أضعته ؟ فقلت يا مولانا هنالك الفائدة : اعلم يا مولاي أنك وهبت لي اليوم ملء جلد كافور مالا ، فتهلل و قال : لله درك من شاكر مستنبط لغوامض معاني الشكرو أمر لي بمال واسع و كسوة و كسا كافورا أحسن كسوة
2- كتب السيد أبو الربيع سليمان بن عبدالله بن أمير المؤمنين عبدالمؤمن بن علي الى السيد أبي الحسن علي بن عمر بن أمير المؤمنين عبدالمؤمن :
اليوم يوم الجمعة ... يوم سرور و دعة
و شملنا مفترق ... فهل ترى أن نجمعه
3- قال ابو الفضل الدارمي البغدادي في جارية تبخرت بالند :
و محطوطة المتنين مهضومة الحشا ... منعمة الأرداف تدمى من اللمس
إذا ما دخان الند من جيبها علا ... على وجهها أبصرت غيما على شمس
4- قال أبو الحسن سلام بن سلام المالقي :
لما ظفرت بليلة من وصله ... و الصب غير الوصل لا يشفيه
أنضجت وردة خده بتنفسي ... و طفقت أرشف ماءها من فيه
5- قال - و أحسبه الشقندي في رسالة له في محاسن الأندلس و تفضيلها على بر العدوة - عند حديثه عن مرسية :و قد اختصت بالحصر التي تغلف بها الحيطان المبهجة للبصر
أقول : لكأنها نموذج أولي لورق الجدران الذي نستخدمه اليوم " wall paper "

6- قال أبو عمران موسى بن عمران المارتلي :
لا تبك ثوبك إن أبليت جدته ... و ابك الذي أبلت الأيام من بدنك
و لا تكونن مختالا بجدته ... فربما كان هذا الثوب من كفنك
و لا تعفه أذا أبصرته دنسا ... فإنما اكتسب الأوساخ من درنك

7- كانت لأبي بكر ابن مجبر وفادة على المنصور الموحدي في كل سنة فصادف في إحدى وفاداته فراغه من إحداث المقصورة التي كان أحدثهابجامعه المتصل بقصره في حضرة مراكش و كانت قد وضعت على حركات هندسية ترفع بها لخروجه و تخفض لدخوله أقول : انظر إلى أي تطور وصلوا إليه
8- و انظر دقة النقد في حادثة ابن دراج و المطرف بن عمر :
حضر المطرف بن عمر المرواني مع شاعر الأندلس في زمانه ابن دراج القسطلي فقال له القسطلي : أنشدني أبياتك التي تقول فيها :
" على قدر ما يصفو الخليل يكدر "
فأنشده :
تخيرت من بين الأنام مهذبا ... و لم أدر أني خائب حين أخبر
فمازجني كالراح للماء و اغتدى ... على كل ما جشمته يتصبر
إلى أن دهاني إذ أمنت غروره ... سفاها و أداني لما ليس يذكر
و كدر عيشي بعد صفو و إنما ... على قدر ما يصفو الخليل يكدر
فاهتز القسطلي و قال : و الله إنك في هذه الأبيات لشاعر و أنا أنشدك فيما يقابلها لبلال بن جرير :
لو كنت أعلم أن آخر عهدهم ... يوم الفراق فعلت ما لم أفعل
و لكن جعل نفسه فاعلا و عرضتَ نفسك لأن يقال : إنك مفعول فقال : و من أين يلوح ذلك ؟فقال قسطلي : من قولك
" و أداني لما ليس يذكر "
*قال المؤلف يصف دار جمال الملك البغدادي :
و صنع فيها الحمام العجيب الذي فيه بيت مستراح فيه أنبوب إن فركه الإنسان يمينا خرج ماء حار و إن فركه شمالا خرج ماء بارد

10- لما قبض المعتصم على خلف بن فرج السميسر ، سأله عما قاله في ابن بلقين صاحب غرناطة فقال السميسر :
لما رأيته مشغوفا بتشييد قلعته التي يتحصن فيها بغرناطة قلت :
يبني على نفسه سفاها ... كأنه دودة الحرير
فقال له المعتصم : لقد أحسنت في الإساءة إليه ، فاختر : هل أحسن إليك و أخلي سبيلك أم أجير منه ، فقال :
خيرني المعتصم ... و هو بحالي أعلم
و هو إذا يجمع لي ... أمنا و منـًّـا أكرم
11- قال راشد بن عريف الكاتب :
جُمّع في مجلس ندامى ... تحسدني فيهم النجوم
فقال لي منهم نديم ... ما لك إذ قمتُ لا تقوم
فقلت إن قمت كل حين ... فإن حظي بكم عظيم
و ليس عندي إذن ندامى ... بل عندي المقعد المقيم
فلله دره
- قال أبو الحسن اللورقي :
لم لا أحب الضيف أو ... أرتاح من طرب إليه
و الضيف يأكل رزقه ... عندي و يحمدني عليه

الجمعة، 4 فبراير 2011

الهول المعجب في القول بالموجب

كتاب " الهول المُعجـِب في القول بالموجب " للأديب أبي الصفاء خليل بن أيبك الصفدي تحقيق الدكتور
محمد عبدالمجيد لاشين - دار الآفاق العربية - الطبعة الأولى 1425 هـ ، 2005 م
يقع الكتاب في 191 غير الفهارس
شاء محقق الكتاب أن يجعل مقدمة الكتاب للحديث عن الصفدي و عصره فتحدث عن الحياة السياسية و الاجتماعية و
الثقافية فيه ثم تطرق الى الحديث عن الصفدي شأن أي محقق عند الحديث عن المؤلف
يتحدث الصفدي عن القول بالموجب و هو - كما فهمته - حمل كلام المتكلم مع تقريره على خلاف مراده
هذا هوالتعريف الذي استوعبته أما غيره من التعاريف فلم أفهمها و لكن بالأمثلة يتضح المقصود :
* قال الغضبان بن القبعثري - و كان من زعماء الخوارج - و كان مع صحابة له في بستان و ذكر الحجاج فدعا عليه
قائلا : " اللهم سود وجهه و اقطع عنقه و اسقني دمه "
فلما ظفر به الحجاج سأله عن ذلك فقال : أردت العنب ، فقال الحجاج متوعدا : لأحملنك على الأدهم
فقال : مثل الأمير يحمل على الأدهم و الأشهب
قال : ويلك إنه حديد
فقال : لأن يكون حديدا خير من أن يكون بليدا
" فصرف الوعيد بالهوان الى الوعد بالإحسان "
و الأبيات التي أوردها الصفدي في الكتاب أغلبها ذات معنى و فكرة ظريفة غير أنني أعجبت بالآتي :
1- كان عبدالباقي بن محمد المعروف بابن ناقيا قد قرأ على ابن الشبل البغدادي ثم وقع بينهما و تقاطعا و تهاجيا فقيل له
يوما :أ لم تكن قرات على الشيخ ابن الشبل ؟
فقال : بلى ، و إلا من أين لي هذه البلادة التي فيّ
فبلغ ذلك ابن الشبل فقال :
فقل ما شئت إن الحلم دأبي ...و شأني الخير إن حاولت شرا
فأنت أقل أن تلقى بذم ... مجاهرة ، و أن تغتاب سرا
2- قال بهاء الدين زهير :
إلى كم أقاسي لوعة بعد لوعة ... و حتى متى يا بين أنت معي معي
و قالوا : علمنا ما جرى منك بعدنا ... فلا تظلموني ما جرى غير أدمعي
3- و عند حديث المحقق عن الحياة الثقافية في عصر الصفدي و تطرقه الى العلوم العقلية تعرض لذكر نهضة العرب
فذكر أن محمد بن بادي أبي بكر ، شمس الدين الطيبي كان يستعمل نظارة طبية .
و قد أورد الصفدي في كتابه أعيان العصر و أعوان النصر في ترجمة شمس الدين الطيبي ما يلي :
وأنشدني من لفظه لنفسه في العيون الزجاج التي يعانيها من ضعف بصره لرؤية الخط الدقيق، ويضعها على أنفه:
لهفي على دولة التصابي ...وحق لي أن يزيد لهفي
كانت عيوني من فوق خدي ... فاليوم أمست من فوق أنفي

و ختاما فقد أعجبتني ثقافة المحقق و وضعه نبذة عن الأعلام المذكورين في الكتاب و الكلمات الدارجة في عصر
الصفدي مما قد تخفى على القارئ