السبت، 30 أبريل 2011

نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب (4)

اسعد الله أوقاتكم بكل خير
انتهيت قبل أيام من الجزء الرابع لكتاب نفح الطيب و سأورد هنا ما راق لي منه :

قال ابن شرف أبو الفضل بن عبدالله :
لم يبق للجور في أيامكم أثر ... إلا الذي في عيون الغيد من حور

و قال أبو علي ادريس بن اليماني العبدري :
ثقلت زجاجات أتتنا فرّغا ... حتى إذا ملئت بصرف الراح
خفت فكادت أن تطير بما حوت ... و كذا الجسوم تخف بالأرواح

و رأى ابن اللبانة أحد ابناء المعتمد و هو غلام وسيم و قد اتخذ الصياغة صناعة و كان يلقب أيام سلطانهم من الألقاب السلطانية بفخر الدولة فنظر إليه و هو ينفخ الفحم بفصبة الصائغ و قد جلس في السوق يتعلم الصياغة ، فقال :
شكاتنا لك يا فخر العلا عظمت ... و الرزء يعظم ممن قدره عظما
طــُوِّقت من نائبات الدهر مخنقة ... ضاقت عليك و كم طوقتنا نعما
و عاد طوقك في دكان قارعة ... من بعدما كان في قصر حكى إرما
صرفت في آلة الصواغ أنملة ... لم تدر الا الندى و السيف و القلما
بد عهدتك للتقبيل تبسطها ... فتستقل الثريا أن تكون فما
يا صائغا كانت الدنيا تصاغ له ... حليا و كان عليه الحلي منتظما
وددت إذ نظرت عيني إليك به ... لو أن عيني تشكو قبل ذاك عمى
ما حطك الدهر لما حط من شرف ... و لا تحيف من أخلاقك الكرما
لح في العلا كوكبا إن لم تلح قمرا ... و قم بها ربوة إن لم تقم علما


قال ابن خفاجة :
تفاوت نجلا أبي جعفر ... فمن متعال و من منسفل
فهذا يمين بها أكله ... و هذا شمال بها يغتسل

خرج الأديب النحوي هذيل الإشبيلي يوما من مجلسه فنظر الى سائل عاري الجسم
و هو يرعد و يصيح : الجوع و البرد ، فأخذ بيده و نقله الى موضع بلغته الشمس و قال له : صح الجوع فقد كفاك الله مؤونة البرد

و قال صالح بن شريف الرندي في المقص :
و مجتمعين ما اتهما بعشق ... و إن وصفا بضم و اعتناق
لعمر أبيك ما اجتمعا لشيء ... سوى معنى القطيعة و الفراق

و عند ذكر ابن زيدون و ولادة قال المصنف :
و وفت بما وعدت و لما أرادت الانصراف ودعته بهذه الأبيات :
ودع الصبر محب ودعك .... إلى آخرها
و هذه الأبيات ليست لولادة و إنما لابن زيدون و ربما كان هناك غلط من الناسخ حيث ورد في كتاب " نزهة الجلساء في أخبار النساء " للسيوطي :
و وفت بما وعدت و لما أرادت الانصراف ودعها بهذه الأبيات

و قال أبو جعفر بن البني :
أقول و قد شممت الترب مسكا ... بنفحتها يمينا أو شمالا
نسيم جاء يبعث منك طيبا ... و يشكو من محبتك اعتلالا

و قال ابو بكر الداني في المعتمد و هو بأغمات :
تنشق بريحان السلام فإنما ... أفض به مسكا عليك مختما
و قل لي مجازا إن عدمت حقيقة ... لعلك في نعمى فقد كنت منعما
أفكر في عصر مضى بك مشرقا ... فيرجع ضوء الصبح عندي مظلما
لئن عظمت فيك الرزية إننا ... وجدناك منها في الرزية أعظما
قناة سعت للطعن حتى تقسمت ... و سيف أطال الضرب حتى تثلما
و منها :
بكى آلَ عباد و لا كمحمد ... و أولاده صوب الغمامة إذ همى
حبيب إلى قلبي حبيب لقوله ... "عسى طلل يدنو بهم و لعلما "
صباحهم كنا به نحمد السرى ... فلما عدمناهم سرينا على عمى
و كنا رعينا العز حول حماهم ... فقد أجدب المرعى و قد أقفر الحمى
قصور خلت من ساكنيها فما بها ... سوى الادم تمشي حول واقفة الدمى
تحيب بها الهام الصدى و لطالما ... أجاب القيان الطائر المترنما
كأن لم يكن فيها أنيس و لا التقى ... بها الوفد جمعا و الخميس عرمرما

و ذكر المصنف عند حديثه عن المعتمد :
قال غير واحد : من النادرالغريب أنه نودي في جنازته " الصلاة على الغريب " بعد عظم سلطانه و سعة أوطانه .

و أقول : و الغريب أن يبلغ هذا القول أحدا يعرف المعتمد و لا يرد على المنادي
بل و اذا قبلنا بهذا القول فكيف عرف قبره بعد ذلك و هو غريب
فلعل في هذه المقولة بعض المبالغة

مر المعتمد مع وزيره ابن عمار ببعض أرجاء اشبيلية فلقيتهما امرأة ذات حسن مفرط فكشفت وجهها و تكلمت بكلام لا يقتضيه الحياء وكان ذلك بموضع الجباسين الذين يصنعون به الجبس و الجيارين الصانعين للجير بإشبيلية فالتفت المعتمد الى موضع الجيارين و قال : يا ابن عمار الجيارين ، ففهم ابن عمار مراده و قال في الحال : يا مولاي و الجباسين
فلم يفهم الحاضرون المراد و تحيروا فسألوا ابن عمار فقال له المعتمد : لا تبعها منهم الا غالية ، و تفسيرها ان ابن عباد صحف " الحيا زين " بقوله الجيارين إشارة إلى أن تلك المرأة لو كان لها حياء لازدانت ، فقال له ابن عمار و الجباسين و تصحيفه " و الخنا شين " أي هي و أن كانت جميلة بديعة الحسن لكنت الخنا شانها ، و هذا شأو لا يلحق

قال ابن حمديس :
أراك ركبت في الأهوال بحرا ... عظيما ليس يؤمن من ركوبه
تسيّر فلكه شرقا و غربا ... و تفدع من صباه إلى جنوبه
و أصعب من ركوب البحر عندي ... أمور ألجأتك إلى ركوبه

و قال المصنف :
".... و بالهزمة التي تظهر في أذقان بعض الأحداث و تعتري بعضهم في الخدين عند الضحك ، فأماتي في الذقن فهي النونة .... و أما التي في الخدين فهي الفحصة"

أقول : و أحسب الفحصة هي ما تسمى بلهجتنا " الغـَمـّازة "

و قال الخفاجي ( ابن سنان الخفاجي ) :
و هاتفة في البان تملي غرامها ... علينا و تتلو من صبابتها صحفا
عجبت لها تشكو الفراق سفاهة ... و قد جاوبت من كل ناحية إلفا
و يشجي قلوب العاشقين أنينها ... و ما فهموا مما تغنت به حرفا
و لو صدقت فيما تقول من الأسى ... لما لبست طوقا و لا خضبت كفا

و قال عبدالحق الإشبيلي :
إن في الموت و المعاد لشغلا ... و ادكارا لذي النهى و بلاغا
فاغتنم خطتين قبل المنايا ... صحة الجسم يا أخي و الفراغا

و قال صالح بن شريف الرندي :
و لا تقصر في اغتنام المنى ... فما ليالي الأنس الا قصار
و إنما العيش لمن رامه ... نفس تدارى و كؤوس تدار