الخميس، 19 أغسطس 2010

الشاعر ابراهيم الأسود

إبراهيم عبد الحميد الأسود ولد عام 1952 في مدينة هجين - سوريا
و أحسب أنه الشاعر الذي يستحق أن يكسب صفة الشاعر في عصرنا الذي طغى فيه الشعر الحر و صارت له الغلبة ، و لم يعد للأدباء الحقيقيين أثر و إن كانوا موجودين فهم في عزلة مكرمون أنفسهم عن عرض أدبهم على من لا يفقهه
تجد في شعره صفتين قلما تجتمعان في شاعر و هما الرصانة و التجديد
و حينما نقول التجديد نعني استخدامه لمتطورات هذا العصر بما لا يخل بشكل القصيدة
لا التجديد الذي خرج به علينا مدعو شعر هذا الوقت من رموز و طلاسم اسموها شعرا و هي الى الالغاز أقرب
و قد اطلعت على ثلاثة دواوين صغيرة للشاعر و اخترت منها :
من كتاب الشواخص 3 :
أرى علماء الدين لا دين عندهم ... و لا علم إلا باقتناص الدراهم
و من لم يصم أو لم يصل فإنما ... لظلم رآه من مصل و صائم
فوا لهف نفس الدين لهفاعلى دم ... يغرغر ما بين اللحى و العمائم
من ديوانه ارجوان على شفة الجرح :
و الناس في حينا ليسوا كعهدك بالـ ...ــناس الأماثل أخلاقا و لا شيما
إذا رأوا جارهم في غبطة جهموا ... و يغبطون إذا ما جارهم جهما
و فيهم من فضول لا رواء له ... الا بهل و بكيف و بمن و بما

الى أن قال :
أفدي الحبيب الذي ذكراه في خلدي ... و شخصه في مآقي العين قد رسما
المطعمي من جنى خديه فاكهة ... و من لمى شفتيه كوثرا شبما
مكون الخلق من صبح و من غسق ... كلا النقيضين في تكوينه التأما
فالوجه أنصع من شمس إذا طلعت ... و الشعر أحلك من ليل اذا عتما
له كثيبان من صدر و من كفل ... وا رحتما للحشا المهضوم بينهما
فانظر الى بيته الأخير و الى كلمة المهضوم كيف استخدمها بمعنييها الفصيح و العامي
و من ديوانه الى المقتولة ظلما :
إيه يا ليل لو نطقت سألنا ... ك عن الأمس ، أو تحاول نطقا
عن أمان وضاءة و عهود ... عن زمان ما كان أحلى و أنقى
عن لقاء في ليلة العيد لما ... نستقي الخمر لا مزيجا فنسقى
فاغتبقنا من الثنايا زلالا ... و لثمنا إقاح ثغر منقى
و سكرنا يا ليل حتى ثملنا ... ثم تهنا ما بين سكرى و غرقى
ثم دار الزمان فاقتص منا ... فوردنا صفو المعيشة رنقا
قيل صرف الحياة قلنا :و لكن ... ليس أن تسعد الكلاب و نشقى

و قوله :
نسيم الصبا بالله إن كنت غاديا ... الى أرض دير الزور فاحمل تحياتي
و بلغ سلامي كل من في بطاحها ... و من حولها و اقرأ على الجسر أبياتي
و لا تنس ربعا في "هجين" فإنها ... بلادي و فيها إخوتي و أخياتي
و أهلي ، فإما جئت دارا حزينة ... فسلم ، فثمت يا نسيم نعياتي
رزئن بفقدي مذ رزئت بفقد من ... أحب فأبكيها و هن بكياتي
و خفف على أمي العذاب و قل لها ... سيأتي غدا أو لا فبعد غد آت
و من ديوانه من رماد القلب :
أخطر الموت يا أخي يا صديقي ... عيشنا مسلمين دون سلام
أبشع الموت ليس موتك جوعا .. إنما الموت تخمة بالطعام
أشنع الموت أن تعيش غريبا ... بين دور الأخوال و الأعمام
أفظع الموت أن تكون عظيما ... تتحاشى من سطوة الأقزام
و قال يمدح السيد يوسف بن السيد هاشم الرفاعي :
مرحبا مرحبا و أهلا و سهلا ... و سلاما يضوع وردا و فلا
و التحيات ثرة باركتها ... نفحات "السلام" عز و جلا
شرفت بلدة وطئت ثراها ... و تباهت على المدائن كلا
و ازدهت أرضنا و أنت عليها ... فغدا تربها من التبر اغلى
شمخت حين مسها منك شيء ... و لئن كان ذلك الشيء نعلا
و تعالت فخرا على كل أرض ... فهي أعلى شأنا و أجمل شكلا
و السماء التي تظللت منها ... قد تمنت لو أحبيت منك ظلا
إلى أن قال :
أيها العائد الذي فقدته ... أمه يافعا و لاقته كهلا
أخذتها به و قد عرفته ... هزة الشوق قبل أن تتملى
و لها الحق إنما أنت منها ... و لئن قال ظاهر الأمر :كلا
إن تكن ذلك الخليجي فرعا ... فادكر أنك الشآمي أصلا
لو قطعنا الرجاء من كل حي ... كنت إحدى المستثنيات بـ "إلا "
و قال يذم اصحاب الشعر الحديث بقصيدة مطلعها :
جاوز الهم حده المألوفا ... و أتى اليأس كي يكون رديفا
إلى أن قال :
و الشعراء كتبوا الشعر للشعــ...ـر فما در درهما أو رغيفا
فأباحوا السلطان عرض القوافي ... فأناخوا على البلاط ضيوفا
نمقوا في مديحه كتبا قد ... ملأوها كذبا و غشا و زيفا
أعجموها خلاف كا جاء في المعـ...ـجم لكن قد أحسنوا التغليفا
فاستقلت ببهرج الشكل لما ... عرضوها في المكتبات رفوفا
غير أن المضمون أعجب إذ تلـ...ــقاه لفظا فجا و معنى سخيفا
حين عدوا مثقفين و ما إن ... عرفوا أن يعرفوا التثقيفا
حرروا الشعر من قيود القوافي... و أباحوا في وزنه التطفيفا
و أهانوا العروض حتى غدا المقـ..ــبوض منها لا يحسد الموقوفا
لا يلامون إنهم أهل عصر ... عبقري قد أبدع "التكييفا"
أخذ الشعر حينما قطعوه ... مظهرا مضحكا و شكلا طريفا
عقلوه من حيث لم يعقلوه ... ثم خلوه مطلقا مكتوفا
جعلوه فواصلا و نقاطا ... و شكولا مجهولة و حروفا
ثم باعوه كل حرف بألف ... فجنوا يانعا و عدوا ألوفا