إبراهيم عبد الحميد الأسود ولد عام 1952 في مدينة هجين - سوريا
و أحسب أنه الشاعر الذي يستحق أن يكسب صفة الشاعر في عصرنا الذي طغى فيه الشعر الحر و صارت له الغلبة ، و لم يعد للأدباء الحقيقيين أثر و إن كانوا موجودين فهم في عزلة مكرمون أنفسهم عن عرض أدبهم على من لا يفقهه
تجد في شعره صفتين قلما تجتمعان في شاعر و هما الرصانة و التجديد
و حينما نقول التجديد نعني استخدامه لمتطورات هذا العصر بما لا يخل بشكل القصيدة
لا التجديد الذي خرج به علينا مدعو شعر هذا الوقت من رموز و طلاسم اسموها شعرا و هي الى الالغاز أقرب
و قد اطلعت على ثلاثة دواوين صغيرة للشاعر و اخترت منها :
من كتاب الشواخص 3 :
أرى علماء الدين لا دين عندهم ... و لا علم إلا باقتناص الدراهم
و من لم يصم أو لم يصل فإنما ... لظلم رآه من مصل و صائم
فوا لهف نفس الدين لهفاعلى دم ... يغرغر ما بين اللحى و العمائم
من ديوانه ارجوان على شفة الجرح :
و الناس في حينا ليسوا كعهدك بالـ ...ــناس الأماثل أخلاقا و لا شيما
إذا رأوا جارهم في غبطة جهموا ... و يغبطون إذا ما جارهم جهما
و فيهم من فضول لا رواء له ... الا بهل و بكيف و بمن و بما
الى أن قال :
أفدي الحبيب الذي ذكراه في خلدي ... و شخصه في مآقي العين قد رسما
المطعمي من جنى خديه فاكهة ... و من لمى شفتيه كوثرا شبما
مكون الخلق من صبح و من غسق ... كلا النقيضين في تكوينه التأما
فالوجه أنصع من شمس إذا طلعت ... و الشعر أحلك من ليل اذا عتما
له كثيبان من صدر و من كفل ... وا رحتما للحشا المهضوم بينهما
فانظر الى بيته الأخير و الى كلمة المهضوم كيف استخدمها بمعنييها الفصيح و العامي
و من ديوانه الى المقتولة ظلما :
إيه يا ليل لو نطقت سألنا ... ك عن الأمس ، أو تحاول نطقا
عن أمان وضاءة و عهود ... عن زمان ما كان أحلى و أنقى
عن لقاء في ليلة العيد لما ... نستقي الخمر لا مزيجا فنسقى
فاغتبقنا من الثنايا زلالا ... و لثمنا إقاح ثغر منقى
و سكرنا يا ليل حتى ثملنا ... ثم تهنا ما بين سكرى و غرقى
ثم دار الزمان فاقتص منا ... فوردنا صفو المعيشة رنقا
قيل صرف الحياة قلنا :و لكن ... ليس أن تسعد الكلاب و نشقى
و قوله :
نسيم الصبا بالله إن كنت غاديا ... الى أرض دير الزور فاحمل تحياتي
و بلغ سلامي كل من في بطاحها ... و من حولها و اقرأ على الجسر أبياتي
و لا تنس ربعا في "هجين" فإنها ... بلادي و فيها إخوتي و أخياتي
و أهلي ، فإما جئت دارا حزينة ... فسلم ، فثمت يا نسيم نعياتي
رزئن بفقدي مذ رزئت بفقد من ... أحب فأبكيها و هن بكياتي
و خفف على أمي العذاب و قل لها ... سيأتي غدا أو لا فبعد غد آت
و من ديوانه من رماد القلب :
أخطر الموت يا أخي يا صديقي ... عيشنا مسلمين دون سلام
أخطر الموت يا أخي يا صديقي ... عيشنا مسلمين دون سلام
أبشع الموت ليس موتك جوعا .. إنما الموت تخمة بالطعام
أشنع الموت أن تعيش غريبا ... بين دور الأخوال و الأعمام
أفظع الموت أن تكون عظيما ... تتحاشى من سطوة الأقزام
و قال يمدح السيد يوسف بن السيد هاشم الرفاعي :
مرحبا مرحبا و أهلا و سهلا ... و سلاما يضوع وردا و فلا
و التحيات ثرة باركتها ... نفحات "السلام" عز و جلا
شرفت بلدة وطئت ثراها ... و تباهت على المدائن كلا
و ازدهت أرضنا و أنت عليها ... فغدا تربها من التبر اغلى
شمخت حين مسها منك شيء ... و لئن كان ذلك الشيء نعلا
و تعالت فخرا على كل أرض ... فهي أعلى شأنا و أجمل شكلا
و السماء التي تظللت منها ... قد تمنت لو أحبيت منك ظلا
إلى أن قال :
أيها العائد الذي فقدته ... أمه يافعا و لاقته كهلا
أخذتها به و قد عرفته ... هزة الشوق قبل أن تتملى
و لها الحق إنما أنت منها ... و لئن قال ظاهر الأمر :كلا
إن تكن ذلك الخليجي فرعا ... فادكر أنك الشآمي أصلا
لو قطعنا الرجاء من كل حي ... كنت إحدى المستثنيات بـ "إلا "
و قال يذم اصحاب الشعر الحديث بقصيدة مطلعها :
جاوز الهم حده المألوفا ... و أتى اليأس كي يكون رديفا
إلى أن قال :
و الشعراء كتبوا الشعر للشعــ...ـر فما در درهما أو رغيفا
فأباحوا السلطان عرض القوافي ... فأناخوا على البلاط ضيوفا
نمقوا في مديحه كتبا قد ... ملأوها كذبا و غشا و زيفا
أعجموها خلاف كا جاء في المعـ...ـجم لكن قد أحسنوا التغليفا
فاستقلت ببهرج الشكل لما ... عرضوها في المكتبات رفوفا
فاستقلت ببهرج الشكل لما ... عرضوها في المكتبات رفوفا
غير أن المضمون أعجب إذ تلـ...ــقاه لفظا فجا و معنى سخيفا
حين عدوا مثقفين و ما إن ... عرفوا أن يعرفوا التثقيفا
حرروا الشعر من قيود القوافي... و أباحوا في وزنه التطفيفا
و أهانوا العروض حتى غدا المقـ..ــبوض منها لا يحسد الموقوفا
لا يلامون إنهم أهل عصر ... عبقري قد أبدع "التكييفا"
أخذ الشعر حينما قطعوه ... مظهرا مضحكا و شكلا طريفا
عقلوه من حيث لم يعقلوه ... ثم خلوه مطلقا مكتوفا
جعلوه فواصلا و نقاطا ... و شكولا مجهولة و حروفا
ثم باعوه كل حرف بألف ... فجنوا يانعا و عدوا ألوفا